الإشكال 009 - كيف يوجد ظل في الجنة وليس فيها شمس ؟
الإشكال 009
كيف يوجد ظل في الجنة وليس فيها شمس ؟
أصل الإشكال :
يأتي صاحب الشبهة بالآيات التالية:
﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ
تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا﴾
الرعد35.
﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ
* وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾ الواقعة29- 30.
﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً﴾
الإنسان13.
ثم يسوق شبهاته وهي :
كيف يكون هناك ظل في
الجنة ولا يوجد فيها شمس ؟
ولماذا تم استخدام كلمة (طلح)
– حيث يزعم صاحب الشبهة أنها
غير عربية ؟!! بل ويقول أن المفترض كانت تكون (طلع)
بدلاً من (طلح) ؟
ونسي أن الله تعالى عندما يريد ذكر الطلع فإنه يذكره
بالفعل ! وذلك مثل قوله :
﴿وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا
هَضِيمٌ﴾ الشعراء 148.
﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا
قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ الأنعام99.
ثم شبهة غريبة وهي :
أن أهل أوروبا يحبون
الشمس بعكس أهل الصحراء
يحبون الظل.
ونسي أن أهل أوروبا يحبون الشمس لغلبة الجود البارد عندهم.
وأما أهل الصحراء فيحبون الظل لغلبة الجو الحار عندهم.
أما جو الجنة فهو الوسط المريح للإنسان.
وأن هذا بالضبط هو المعنى المفهوم من قوله تعالى:
﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً
وَلَا زَمْهَرِيراً﴾ الإنسان13.
رد الإشكال :
هناك بدهيات لا يختلف حولها عاقلان، من تلك البدهيات أنه
إذا كان الناس يرون بعضهم بعضاً في الجنة: ألا
يكون ذلك بمصدر ضوء أو نور؟ الإجابة المنطقية:
نعم. وليس بالضرورة أن تكون الشمس التي نعرفها لأن الله سيلقي بها في النار مع
من عبدها (والكون يمتلئ بنجوم أكبر من الشمس وأقوى)، فالله يجعل النور فيما يشاء: ﴿اللَّهُ
نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ النور35. بل
وحجابه النور كما سُئل النبي (كما في صحيح مسلم من حديث أبي ذر): هل رأيت ربك؟
قال: "نورٌ أنى أراه" ! إذن:
علام التعجب من وجود (ظل) أو (ظلال) في الجنة ؟ أو للعرش؟
(أو كما جاء في أحاديث الذين يظلهم الله في ظله أو
في ظل عرشه يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله : أي لا ظل إلا مَن يظله الله
وجعل له ظلاً من حر الشمس ذلك اليوم، حتى أن الصدقة تظل صاحبها)
والجنة في اللغة هي
الحديقة ذات الأشجار الكثيفة التي من كثافتها تخفي من بداخلها – لذلك قال تعالى لا يرون فيها شمساً – ليس لأنه لا مصدر ضوء فيها ولكن لكثافة أشجارها وتداخل
ظلالها من فوق بعضها البعض (ظلاً ظليلاً).
لذلك فإن ظل الجنة ممدود لا
ينقطع، أي أنه ظل دائم.
ولهذا يُرمز بالظل أيضاً
إلى الراحة والنعيم، وإلى الجناب والأمن (يقال أنا في ظل فلان أي في جنابه وأمنه)،
وهو معنى أعمّ من معنى الفيء الذي يحدث بسبب أشعة الشمس على الأجسام.
يقول الراغب الأصفهاني في المفردات: "ظُلل: الظل ضد الضحّ، وهو
أعم من الفئ، فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة، ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس ظل ولا يقال الفيء إلا
لما زال عنه الشمس، ويُعبر بالظل عن العزة والمنعة وعن الرفاهة،
قال: إن المتقين في ظلال، أي فيه عزة ومناع ...
وقوله: وندخلهم ظلاً ظليلاً، كناية عن غضارة العيش...".
وهو بذلك يشير إلى آيات مثل: ﴿وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً﴾ النساء57، ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ
فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ﴾ المرسلات41، ﴿هُمْ
وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى
الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ﴾ يس56.
كما روي الترمذي في سننه: "في الجنة شجرة يسير الراكب
في ظلها مائة عام لا يقطعها"، كناية عما فيها من الراحة والنعيم
والرفاهية.
أما كلمة (طلح) فمعاجم اللغة تذكرها، والكلام العربي هو ما فهمه العرب، جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس: "وَهُوَ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ، الْوَاحِدَةُ طَلْحَةٌ، وَذُو طُلُوحٍ: مَكَانٌ، وَلَعَلَّ بِهِ طَلْحًا. وَيُقَالُ: إِبِلٌ طَلَاحَى وَطَلِحَةٌ، إِذَا شَكَتْ عَنْ أَكْلِ الطَّلْحِ". ومنضود أي ثمره متراص يسر الناظرين مثل شجر الموز، لهذا قال بعض المفسرين أنه هو المقصود، والمعنى أعم لكل ذلك.
