الإشكال 002 - القتال والجزية ؟
الإشكال 002
القتال والجزية ؟
أصل الإشكال :
﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ
لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا
حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ التوبة 29.
يقول صاحب الشبهة أن الآية معضلة كبيرة وإشكال العصر
لأنه فهم منها أنه يجب على المسلمون دوما قتال كل الكافرين إلى أن يعطوا الجزية.
كذلك يرى أن أخذ الجزية نوع
من السيطرة المنهي عنها في آية :
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ الغاشية21 – 22
===========
رد الإشكال :
يقول ويل ديورانت Will Durant
المؤرخ الأمريكي الشهير في كتابه (قصة الحضارة) The Story of Civilization:الجزء
13 (أو الثاني من المجلد الرابع والمسمى بـ عصر الإيمان 2)، طبعة دار الجيل، بيروت
– لبنان :
"ولقد
كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون، واليهود، والصابئون يتمتعون في عهد
الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرًا
في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء
زي ذي لون خاص وأداء ضريبة عن كل شخص تختلف باختلاف
دخله، وتتراوح بين دينار وأربعة دنانير. ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير
المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها
الرهبان، والنساء،
والذكور الذين هم دون البلوغ، والأَرِقَّاء، والشيوخ،
والعَجَزة، والعُمي،
والشديدو الفقر، وكان الذميون يُعفوْن في نظير
ذلك من الخدمة العسكرية، أو إن شئت فقل لا يُقبلون فيها، ولا
تفرض عليهم الزكاة البالغ قدرها 2.5 % من الدخل السنوي. وكان لهم على
الحكومة أن تحميهم، ولم تكن تُقبل شهادتهم في
المحاكم الإسلامية، ولكنهم كانوا يتمعتون بحكم ذاتي
يخضعون فيه لزعمائهم، وقضاتهم وقوانينهم".
فالإسلام ليس دين عدوان، وإنما دين
دعوة، وهو يعطي الكافرين الذين يمكن أن يهددونه أو يهددون حدوده أو يمكنهم
التعاون مع أعدائه : ثلاثة اختيارات، إما
الإسلام، أو دفع الجزية (وهذه إعلان تبعية للمسلمين بلغة السياسة)، أو القتال،
وكذلك يقيم الإسلام الاتفاقيات مع الكافرين ومعاهدات السلام، فالإسلام إذا قاتل فهو يقاتل إما دفاعاً عن أرضه وعن المسلمين (مثل الدفاع في المدينة
في وجه قريش وأحزابها ويهود بني قريظة وبني النضير)، وإما يقاتل خارج أرضه ليصد شر من يهددونه من الخارج (مثل الفرس والروم)،
وكذلك ينشر دعوته ويدافع عنها وعن المسلمين ولو كانوا
في بلاد العدو، وكل ذلك مباح في كل أمم العالم وإلى اليوم (سواء دفاع
البلدان عن نفسها - أو مهاجمتها لمن يهدد حدودها من خارجها - أو حربها بعيداً عن
أرضها آلاف الكيلومترات دفاعاً عن رعاياها داخل بلاد غيرها - أو حتى ما يسمى
بالحرب الاستباقية Preemptive war) والإسلام
في كل ذلك يتبع قواعد ربانية عادلة إذ : لا
يظلم ولا يغدر ولا ينقد العهود والمواثيق ولا يُبيد ولا يحرق ولا يُخرب ولا يقتل
المدنيين الذين لا يشاركون في قتال ولا يتعرض للنساء والأطفال والعبيد والعمال
ورجال الدين.
أما آية (لست عليهم بمصيطر) فللنهي عن السيطرة والجبر في الدين، لأننا في الدين نكتفي بالتذكير (فذكِّر إنما أنت مُذكِّر).
