الإشكال 005 - عدد ملائكة يوم بدر ؟

    الإشكال 005 

عدد ملائكة يوم بدر ؟

أصل الإشكال :

في يوم بدر (أول قتال للمسلمين بعد هجرتهم للمدينة) كان المسلمون قلة، لا يجيدون كلهم القتال، محدودي العدد والعتاد والسلاح، يقفون على أرجلهم أمام جيش مكة الذي يفوقهم أضعافاً بكامل العدة والعتاد والسلاح والجياد. وكلهم مقاتلين.

فمن رحمة الله بالمؤمنين في هذا اليوم العصيب قال تعالى :

﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ الأنفال 9.

ولأنهم مُردفين (أي متتابعين) يرسلهم الله مدداً للمؤمنين وطمأنةً لهم عندما يرونهم، فقد قال الله لهم أيضاً عندما سمعوا أن كرزاً بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين:

﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ آل عمران 124- 125.

وقد رجع كرز بن جابر بعد أن وصله خبر هزيمة قريش.

ثم يسأل صاحب الشبهة عدة أسئلة :

الأول : عن اختلاف العدد.

الثاني : كيف بعد كل هذا لا يُقتل من المشركين إلا 70 فقط ؟

الثالث : لماذا يقحم الله الملائكة في القتال ؟

ثم ينقل صاحب الشبهة اقتباساً من كتاب النصارى مكابيين الثاني (15- 22/23) يذكر فيه إرسال الرب ملاكاً في عهد حزقيا ملك يهوذا فقتل من جند سنحاريب مئة وخمسة وثمانين ألفاً.

وكأنه يشير بذلك إلى أنه كان يكفي ملاك واحد فقط ليقتل هؤلاء السبعين في غزوة بدر.

ونسي أن هذا الملاك المذكور هو ميخائيل (رئيس جند الرب) ! كذلك حتى النصارى لا يرون إشكالاً في إرسال جيوش الملائكة كما جاء في (إنجيل متى 26: 52-53):

"فقال له يسوع: "رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون! أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي، فيُقدِّم لي أكثر من اثني عشر جيشًا من الملائكة؟"

وهنا يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم كما في St. John Chrysostom: Hom. On Matthew, hom 84:1 : "إن كان ملاك واحد قتل 185 ألفا في ليلة واحدة، فلماذا قال لتلاميذه إنه إن أراد يطلب من الآب، فيرسل اثني عشر جيشَا من الملائكة. قال هذا بسبب ما بلغه تلاميذه من رعب، فقد ماتوا من الخوف".

=========== 

رد الإشكال :

كما أوردنا عندما نقلنا الآيات : أن الغرض من كثرة تتابع الملائكة هي البشارة والطمأنينة من الله للمؤمنين المُستضعفين والقلة الذين خرجوا أصلاً لملاقاة تجارة قريش لتعويض ما أخذوه منهم في مكة من أموالهم ومتاعهم وبيوتهم... لكن شاء الله أن يُـقدر لهؤلاء المؤمنين القتال والحرب، لأنه بهجرتهم إلى المدينة قد انتهى عصر الاستضعاف وبدأ عهد القوة والجهاد.

لذلك نقرأ في الآية رقم 126 من آل عمران (والتي لم ينقلها صاحب الشبهة) قول الله تعالى :

﴿وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ يقول ابن عاشور في تفسيره :

"وقد جاء في سورة الأنفال عند ذكره وقعة بدر أن الله وعدهم بمدد من الملائكة عدده ألف بقوله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ. وذُكر هنا أن الله وعدهم بثلاثة آلاف ثم صيرهم إلى خمسة آلاف. ووجه الجمع بين الآيتين أن الله وعدهم بألف من الملائكة وأطمعهم بالزيادة بقوله مردفين أي مردفين بعدد آخر، ودل كلامه هنا على أنهم لم يزالوا وجلين من كثرة عدد العدو، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنزلين؟ أراد الله بذلك زيادة تثبيتهم ثم زادهم ألفين إن صبروا واتقوا. وبهذا الوجه فسر الجمهور، وهو الذي يقتضيه السياق".

أما السؤال عن الـ 70 قتيلاً من المشركين فقط :

ذلك لأن المؤمنين قتلوا الكافرين بعد بشارتهم برؤية الملائكة أمامهم، فالقتلى للمؤمنين (وقد أسروا 70 أيضاً). ولو شاء الله إبادة الكفار بأخذ أرواحهم في لحظة لفعل إذ يقول في بقية الآية (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ)، لكنه يريد البلاء والامتحان :

﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ﴾ محمد 4.

أما السؤال عن لماذا يرسل الله ملائكة ؟

ذلك لأنه رغم إيمان المؤمنين إلا وتبقى مشاعر الخوف الفطرية فيهم من الفشل أو التقصير في الجهاد لوجه الله.

ولا شك أن رؤية الملائكة تبعث الطمأنينة والقوة في قلوبهم.

أما لماذا لم يرسل الله ملاكاً واحداً ؟

ذلك لأن الله أراد من تكثير الملائكة : البشرى والتحفيز للمؤمنين لخوض المعركة، ولو أراد الله هلاك المشركين في طرفة عين لأهلكهم جبريل كما أهلك وحده قرى قوم لوط عليه السلام كما روى أصحاب التفاسير عن قتادة ومجاهد !



المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الإشكال 009 - كيف يوجد ظل في الجنة وليس فيها شمس ؟