الإشكال 008 - كيف يسجد الكافر طوعا أو كرها وهو لم يسلم ؟
الإشكال 008
كيف يسجد الكافر طوعا أو كرها وهو لم يسلم ؟
ذكر الله في القرآن أنه خالق كل شيء:
﴿ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ الأنعام102.
فالله خالق كل شيء، وكل شيء
في الوجود يطيعه ويسلم له إلا ما شاء الله أن يكون لديه حرية اختيار وإيمان
أو كفر. وهي نفوس الجن والإنس، أما أجسامهم فهي طائعة لله بكل ما فيها من أعضاء، فهي
تعمل كلها بمعزل عن إرادة الإنسان من تنفس وهضم وإخراج...
بل ويمكننا التحدث بتفصيل أكثر بعلوم اليوم فنقول أن ذلك
يشمل أيضاً الذرات التي يتكون منها البشر والحيوان والشجر والحجر وكل ما في
السماوات والأرض والكون، سواء تحدثنا عن غير البشر بحرف
الإشارة (ما) أو عن البشر والملائكة (مَن).
ولكل (ِشيء) في الكون تسبيحه وصلاته وسجوده الخاص به: لا
نعلم نحن كيفيته لكن الله يعلمه، لذلك يقول:
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ
وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ
بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ
حَلِيماً غَفُوراً﴾ الإسراء 44.
فكل إنسان منا تسجد ذراته
وخلاياه لله عز وجل وتسبحه بطريقة لا نعلمها. وتسلم أمرها لله بالقوانين والسنن التي وضعها لها.
وبذلك نرى أن الكافر: يسجد لله كَرهاً
(أي بما فيه من ذرات وأعضاء) حتى رغم كفر نفسه بالله وعنادها وجحودها !
أما المؤمن: فكما تسجد ذراته لله طوعاً: فنفسه كذلك تسجد لله طوعاً ورضاً وإيماناً
ويقيناً.
هكذا كان المفترض أن يعرض صاحب الشبهة شبهته إذا أراد
عرضها عرضاً صحيحاً مُرتباً لفهم الآيات التالية التي ذكرها:
﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم
بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ الرعد15.
﴿تُسَبِّحُ لَهُ
السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن
مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ الإسراء 44.
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً
وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ آل عمران83.
ثم يسأل صاحب الشبهة كيف يقول الله (ألم تر) ولم نرى؟:
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ﴾ النور41.
============
رد الإشكال :
جاء في تفسير القرطبي لآية
السجود (طوعاً وكَرهاً) عدة أقوال، منها قول الزجّاج: "سجود الكافر كَرهاً ما فيه من الخضوع
وأثر الصنعة". وهو ما أوضحه أكثر في اختياره للمعنى الراجح عنده: "أن المؤمن يسجد ببدنه طوعاً،
وكل مخلوق من المؤمن والكافر يسجد من حيث إنه مخلوق،
يسجد دلالة وحاجة إلى الصانع".
فالكافر لا يملك التحكم في جسده ولا صحته ومرضه ووظائفه
الداخلية، بل ويدعو الله وقت الاضطرار مثل الغرق في البحر كما ذكر الله في يونس22
-23، وما جاء في تفسير البغوي عن الشعبي: "هو
استعاذتهم به عند اضطرارهم كما قال الله تعالى "فإذا ركبوا في الفُلك دعوا الله مخلصين له الدين" العنكبوت65،
وحتى الملحد يدعو الله بالنجاة خصوصاً وقت الحرب: (لا
ملحدين في الخنادق) There are no atheists in foxholes
فجسد الكافر وأعضاؤه منقادة
لله ومأمورة باتباع إرادته في الدنيا لأنها ستُخرج
ما بداخله من شر أو كفر أو معصية: فإذا جاءت الآخرة: ووقفوا أمام النار: أشهدهم
الله على الكافر:
﴿حَتَّى إِذَا
مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ
وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا
لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا
أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فصلت20- 21.
يُـذكرنا ذلك بسؤال أحد الملحدين: كيف تنطق أعضاؤكم في
الآخرة من غير لسان وحنجرة وأسنان؟ فقيل له: وكيف ينطق
مايك الهاتف أو الموبايل أو الجوال؟! فـبُـهت الذي كفر!
وذلك لأن إخراج الصوت يعتمد على اهتزاز ذرات على طبقة رقيقة حسب موجات الصوت ! فعندما يتحدث طرف
من مكان يتم تحويل موجات صوته بهذا الاصطدام الدقيق في السماعة إلى إشارات كهربية،
ثم يتم نقلها أو بثها إلى الطرف الآخر لتتحول من إشارات كهربية إلى اصطدامات دقيقة
من جديد في المايك !
فلنا أن نتخيل أن كل هذه
الذرات محكومة منقادة لله ! كلها تعبد الله
وتسلم له أمرها في اتباع قوانينه التي خلقها لها.
كلها تطيع الله في
تنفيذ إرادة المؤمن أو الكافر في الدنيا.
كلها تسجد وتسبح الله في المؤمن (طوعاً)
أو الكافر (كرهاً).
حتى ظلال المؤمن والكافر تتحرك
تبعاً لحركة الشمس المأمورة الطائعة لله، فهي من سجود
إلى سجود من أول النهار لآخره.
ونحن نؤمن بكل ذلك لا لأننا نفهم كيفية السجود والتسبيح: ولكن لأن ربنا قال ذلك ولأنه يُشهدنا على هذه الأخبار للعظة والعبرة، وهي مثل قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾ الفجر6، و ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ﴾ البقرة 258.
