الإشكال 010 - هل للشيطان سلطان على الإنسان أم لا ؟
الإشكال 010
هل للشيطان سلطان على الإنسان أم لا ؟
أصل الإشكال :
يذكر صاحب الشبهة الآيات التي ينفي الله عز وجل فيها أي
سلطة للشيطان لـ (إجبار) الإنسان على الكفر
والمعاصي، لأن الشيطان لا يأخذ بأيدينا لفعل ذلك وإنما (يوسوس)
فقط، فالفائز من يتجنب وسوسته، والخاسر من يستجب لها.
وذلك مثل قوله تعالى:
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا
قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن
سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ
لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم﴾ إبراهيم22
وقوله:
﴿وَمَا كَانَ لَهُ
عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ
مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ سبأ21
وقوله:
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ
لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾
الحجر42.
ورغم أن كل الآيات السابقة فيها الاستثناء بـ (إلا) للتأكيد على أن سلطان الشيطان في الكفر
والمعاصي هو الوسوسة لمن يتبعه :
إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي - إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن
يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي
شَكٍّ - إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ :
نجد صاحب الشبهات ينقل آيات أخرى على أنها تناقض ما سبق : رغم أنها بنفس
المعنى تماماً !! ينقل قول الله تعالى :
﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ
سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى
رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ النحل99- 100.
وقوله:
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ
لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ
مِنَ الْغَاوِينَ﴾ الحجر42.
ثم يختم شبهاته بإيراد الآية التالية على لسان أيوب عليه
السلام:
﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ
أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾
ص41.
وهذا ما سنبينه في الرد إن شاء الله.
============
رد الإشكال :
كما رأينا في عرضنا للشبهة: فإن مدار حديث الله عن نفي (سلطان) الشيطان هو على الكفر والمعاصي، بمعنى آخر:
الأعمال (الاختيارية)
للإنسان والتي سيحاسبه الله عليها: لا سلطان للشيطان عليه فيها إلا الوسوسة.
لن (يجبرك) الشيطان
على الكفر أو المعصية.
أما أي اذى آخر من الشيطان للإنسان (مثل أذى السحر والمس) فلن يحاسب الله الإنسان عليه
اصلاً لأنه (ليس بإرادته)، أي أن مثله مثل
المرض والفقر وسائر الابتلاءات.
فالصرع مثلاً نوعان، نوع له أسباب عضوية في المخ، ونوع
من الشيطان بسحر أو مس، ومنه قول الله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ البقرة
275.
وقد تعرض رسول الله للسحر،
فكان يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن، فهذا
تأثير على البصر، وفي ذلك نزلت المعوذتان (قل
أعوذ برب الفلق – قل
أعوذ برب الناس). ومثله ما فعله سحرة فرعون وقال الله فيه:
﴿قَالَ
أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ
النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ الأعراف 116. وحتى
موسى تأثر بسحرهم:
﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ
يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا
تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى
* قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى﴾ طه66- 68.
وأما أيوب عليه السلام، فنقل بعض المفسرين قصته المأخوذة
من الإسرائيليات وأصلها في العهد القديم عند النصارى، من أن الله أراد أن يضرب به
المثل للشيطان بأنه حتى لو أخذ منه ماله الوفير وأبناءه وابتلاه في جسده: فلن
يتأثر إيمانه عكس ما ظن الشيطان أن سبب إيمانه هي نعم الله الكثيرة عليه.
وفي هذا المعنى قيل أن الله خلّى
بين الشيطان وبين أيوب ليصيبه بمختلف أنواع الضر، فلم يزده ذلك إلا صبراً
وإيماناً، وهذا لا يدخل أيضاً في مفهوم (السلطان)
الذي نفاه الله لأن السلطان الذي نفاه الله للشيطان هو الجبر
على الكفر أو المعاصي كما قلنا.
وقيل أيضاً أن رغم تقدير الابتلاء لأيوب من الله، إلا أنه من أدب أيوب والأنبياء عدم نسبة الشر إلى الله رغم أنه لم يكن ليقع إلا بإذنه سبحانه للامتحان والإظهار، وذلك مثل قول غلام موسى: ﴿وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ الكهف63. وقول إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ الشعراء80، وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: "والشر ليس إليك".
=============
تكملة الإشكال 10
يعود صاحب الشبهة إلى نقطة أخرى فيسأل :
إذا كان الله ينفي أن يكون للشيطان سلطان على عباده بدون
استثناء :
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ
لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ الإسراء65.
فمن هم الذين يتم استثناؤهم منهم كما في الآية :
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ الحجر42.
==============
رد تكملة الإشكال 10
إجابة السؤال تظهر في نفس الآية : ألا وهي (الغاوين).
فالغاوون (ومنهم المرتدون عن الإسلام) يخرجون من وصف (عباد الله) ومن نسبتهم إلى (عباد الله) – لأن (عباد الله) وصف للمؤمنين
المخلصين في عبادتهم لله (وكان في التوراة والإنجيل
يوصفون بأنهم : أبناء الله) بنوة مجازية تعني نسبتهم إلى الله.
وهنا وقفة هامة وهي :
من أول هذا الإشكال يتضح أن صاحب الشبهات يقوم بتجميع أي سؤال أو استفسار مهما كان بسيطاً ومفهوماً : فقط ليحاول صياغة (شبهة) !! وهذه ليست علامة شخص باحث عن الحق.

